مرايا -كان ذنب الطفل موسى (اسم مستعار)، والذي يبلغ عمره سبعة أعوام، أنه يهوى لعبة كرة القدم، بطريقة فتحت عليه أعين ذئاب بشرية، ولم يشفع له دون الوقوع ضحية، أنه شكل فريقاً قوياً في حارته ينافس نده في الحارات المجاورة، وتشكيله دوري بطولات لكرة القدم بين الحارات، كما لم يشفع له لقب “الحريف” الذي اكتسبه لمهارته في اللعب.
قدر موسى كان أن تقوده “حرفنته” الى أحضان الذئب الثلاثيني، الذي لم يحفظ للجيرة حرمة ولا للإنسانية مكانا؛ حيث وجد في سطوع نجم موسى بين سكان الحي وسيلة للتودد اليه بطريقة تبدو ظاهريا أنها تعبير عن إعجابه بحرفية موسى، لكنه كان يبيت نية أخرى غادرة.
تروي والدة موسى قصة ولدها، عندما تعرض قبل حوالي عام لـ”هتك عرضه” من قبل جارهم الثلاثيني، مشددة على عدم ذكر كل ما من شأنه أن يكشف عن هوية العائلة.
تقول أم موسى “لقد اعتاد جارنا على أن يعرب عن إعجابه بشطارة موسى بكرة القدم بأكثر من طريقة، منها حضور المباريات التي يشارك فيها في شارع الحارة، وأيضا شراء كأس لموسى عندما فاز فريقه في إحدى البطولات، ومن ثم دعوته لمنزله ليشاهد دوري كرة القدم من خلال “البلاي ستيشن” الذي لا تملك عائلتي ثمن شرائه”.
ومع الأيام بدأ موسى يتعلق بجاره الغادر، الذي كان يعتبره من أكثر الداعمين له، حتى أنه كان يشعر أحيانا أنه يدعمه أكثر من والده، بحسب ما تقول والدته، خصوصا وأن والده لم يقبل حتى الآن إشراكه في أحد أندية كرة القدم، وهو ما وعد الجار بأن يحققه له يوما ما.
وتضيف “قبل أقل من عام، وكالعادة، كان ابني في منزل الجار لمشاهدة “البلاي ستيشن”، لكن هذه المرة انتابني إحساس غريب وكان قلبي مقبوضا، وإحساس الأم عمره ما خاب”، وتشير الى أن شعورها بالقلق بدأ يزداد نظرا لتأخر موسى عند منزل الجار في ذلك اليوم على غير العادة، لـ”ينقطع الشك باليقين بمجرد أن رأت عيناي ابني الذي ارتمى بحضني فور عودته إلى المنزل”.
“كان جسم ابني يرتجف ووجهه أصفر زي الليمونة” تقول والدته، مبينة أنها بقيت حتى ساعات الفجر تحاول إقناع ابنها بالحديث، بعد صمت مطبق طيلة ذلك اليوم، “اللهم إلا من نبضات قلبه السريعة”، بحسب وصفها.
وأخيرا اعترف موسى، تقول الأم، بعد تردد في الخوض في تفاصيل الموضوع نظرا لصعوبة التجربة، مشيرة الى أن ابنها تعرض لجريمة هتك عرض من قبل جاره الثلاثيني، وهي جريمة كانت كفيلة برحيل عائلة الطفل موسى إلى منطقة أخرى والدخول في محاكم “فآثرنا أن نعض على جرحنا والسكوت على ما جرى لأنه احنا مش قدها” كما تقول.
وتعد جرائم هتك العرض، خاصة ضد الأطفال من مجرمين بمحيطهم القريب، إحدى القضايا المؤرقة للأهالي والمجتمع، خاصة وأن خبراء يعدونها من الجرائم “المسكوت عنها” لأسباب نفسية واجتماعية وثقافية عديدة، ما يؤكد معه مختصون وخبراء على ضرورة رفع منسوب التوعية بالمجتمع تجاه مثل هذه الجرائم، وإشراك الأهالي والمدارس إضافة الى وسائل الإعلام بجهود توعوية متواصلة للحد من انتشار هذه الجرائم، إضافة الى ضرورة تشديد العقوبات بحق مرتكبيها لتحقيق الردع القانوني.
وفيما يتحفظ أهال على ما يعتبرونه طول فترة التقاضي بقضايا هتك العرض، حتى في تلك التي يكون الضحية فيها من الأطفال، فإن بيانات المحاكم، وحسب إحصائيات حصلت عليها  من المجلس القضائي، تشير الى أن نسبة الفصل في قضايا هتك العرض مرتفعة ولا تتجاوز العام؛ حيث تبين عدد المفصول بها العام 2016 بلغ 662 قضية، من أصل 677 قضية واردة للمحاكم، أي بنسبة 97.8 %، فيما ارتفعت نسبة الفصل في قضايا هتك العرض العام الماضي؛ حيث تم الفصل في 703 قضايا من أصل 711 قضية، أي بنسبة 98.9 %.
وبحسب المادة 269 من قانون العقوبات المعدل لسنة 2017، يعاقب كل من هتك بالعنف أو التهديد عرض إنسان بالأشغال مدة لا تقل عن أربع سنوات، ويكون الحد الأدنى للعقوبة سبع سنوات اذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره، والحد الأدنى للعقوبة سبع سنوات اذا كان المجني عليه أكمل الثانية عشرة ولم يكمل الخامسة عشرة من عمره.
فيما تنص المادة 298 من القانون نفسه على “كل من هتك بغير عنف أو تهديد عرض شخص -ذكرا كان أم أنثى- وأكمل الخامسة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره، أو حمله على ارتكاب فعل هتك العرض يعاقب بالأشغال المؤقتة”.
في العام 2013، وجه مدعي عام شرق عمان، القاضي عارف أبو عليم، تهمة هتك العرض لحدث يبلغ من العمر 15.5 سنة بشبهة “فض بكارة” طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات أدخلت إلى المستشفى في وضع صحي سيئ.
وحسب المعلومات، فالطفلة البالغة من العمر 4 سنوات كانت قد وصلت إلى الطوارئ في حالة نزف استدعى وضعها الصحي إعطاءها وحدتي دم الى أن استقر وضعها الصحي.
فيما قرر مدعي عام الجنايات الكبرى في العام 2014 توجيه التهمة لشخص أربعيني بهتك عرض طفل يبلغ من العمر 12 سنة ومصاب بتخلف عقلي بمعرفة الجاني، فإن قضية الطفل، ذي السبع سنوات، الذي تعرض للاعتداء الجنسي والقتل على يد شخص معروف للعائلة وجار لهم في تموز (يوليو) الماضي بمنطقة سفح النزهة، أحيت دعوات سابقة بضرورة تعزيز برامج الحماية من العنف الجنسي الواقع على الأطفال.
وقد أثارت قضية “سفح النزهة” الرأي العام لبشاعتها وارتباطها بجريمة قتل لاحقا، لكن مقابل تلك الحالة، ثمة العديد من الحالات الأخرى التي تقع فيها إساءات جنسية مختلفة، تتراوح بين إساءات “بسيطة” وأخرى شديدة تصل حد الاغتصاب، لكنها تبقى في الخفاء من دون تبليغ.
وقد دانت المحكمة خلال جلسة علنية العام الحالي، المتهم بقضية “سفح النزهة” البالغ من العمر 27 سنة، والموقوف على ذمة القضية منذ تموز (يوليو) الماضي بتهمة القتل العمد.
وكانت المحكمة باشرت عقد جلساتها خلال العطلة القضائية، وأخذت صفة الاستعجال كون القضية أصبحت قضية رأي عام منذ اكتشافها.
ووفق لائحة فإن المغدور سوري الجنسية، ويبلغ من العمر 7 سنوات، ويقيم وعائلته بمنطقة جبل الحسين، ويقيم المتهم أيضا في المكان ذاته، وهو من ذوي سوابق إجرامية وتعاطي المخدرات. واتضح من التحقيق، أن القاتل يعمل في أعمال الدهان، وهو جار لعائلة الطفل المغدور، واعتاد على مساعدة عائلة المغدور، التي تقيم أمام منزل القاتل منذ 4 سنوات في منطقة النزهة، بتوزيع المعونات على عائلة الضحية.
وتوجت القضية المأساة بإقدام الجاني على قتل الطفل الضحية بدم بارد بعد الاعتداء عليه جنسيا، خوفا من افتضاح أمره، فقام بنحره بقطعة زجاج.
القاضي عمار الحسيني من محكمة التمييز، بين أن المحكمة تعاملت في العام 2016 مع 1612 قضية تحقيقية جنايات كبرى، سواء قتلا أو اغتصابا أو هتك عرض أو خطفا جنائيا أو الشروع بها، وبلغ مجموع ما فصل منها 1445 قضية وفق التقرير السنوي لأوضاع المحاكم النظامية والقضاء الإداري والنيابة العامة للعام 2017 والذي سيعلن عن تفاصيله قريبا.
ويرى القاضي الحسيني، أن عقوبة جريمة هتك العرض “رادعة”، خصوصا وأن محكمة الجنايات الكبرى أصبحت متخصصة، وبالتالي فإن أحكامها على درجة عالية من الجودة والسرعة، لكن مسألة الردع تختلف من شخص إلى آخر، وهي مسألة نسبية تختلف من شخص إلى آخر.
ويضيف الحسيني: “الأمر ليس بتشديد عقوبة هتك العرض بل بالمنظومة النفسية والسلوكية”، مشيرا الى أن الكثير من قضايا هتك العرض تخرج بعدم المسؤولية “ومنها ما يكون بداعي التبلي والافتراء”.
وبحسب رئيسة مركز الجندر للاستشارات النسوية، الدكتورة عصمت حوسو، فإن من يمارس جريمة هتك العرض هو “مريض بكل الأحوال”، ومن يمارس هذا السلوك القميء حتى لو كانت العقوبات مغلظة لا يكترث بذلك، مؤكدة أنه مهما كان القانون رادعا فنحن بحاجة الى تطبيقه بشكل رادع وبشكل متساو انسجاما مع الدولة المدنية.
وتعزو الدكتورة حوسو، في حديثها ، أسباب ممارسة جريمة هتك العرض لأمراض نفسية عدة، شكلتها تجارب تنمر مثلا في الطفولة أو التعرض لتحريض أو مشاهدة تجربة قاسية وغيرها، لذا يبحث من تعرض لمثل هذه التجارب عمن هو أضعف منه تحقيقا لشعور الاستقواء مع تحقيق المتعة الجنسية على الضعفاء.
وبينت أن المؤسسات التي تعنى بضحايا هتك العرض خصوصا من الأطفال “شبه متواضعة”، فضلا عن غياب الحماية للضحايا، وغياب إعادة التأهيل لمرتكبي هذه الجرائم سواء في مراكز الإصلاح والتأهيل أو بعد خروجهم منه.
ووفقا لمنظور علم الجريمة، يرى الأخصائي في علم الاجتماع والجريمة، الدكتور حسين محادين، أنه ووفق نظرية الضبط الاجتماعي “فثمة نوعان من الضبط للسلوك البشري، المنبثق أصلا عن تقدم الفجور على التقوى في النفس البشرية، وبالتالي هناك نوع داخلي “الضبط” وهو القائم على سلوكات منظمة، تهدف الى ضبط السلوك الغريزي البهيمي “الحيواني”، بحيث يسير وفقا للضوابط الأخلاقية والدينية والثقافية”.
ونجد بالتالي، كما يقول محادين، أن هناك فروقا في درجة قبول أو رفض مثل هذه السوكيات بين مجتمع وآخر، مثل ما يسمى بحرية المثليين أو الجنس الجماعي، وتصنفها بعض الثقافات على أنها جزء من الحرية الفردية للأشخاص، ولعل التشريعات الدولية المعاصرة تمثل غطاء أو تواطؤا تسبب على نحو ما بهذه الممارسات.
أما على صعيد الضبط الخارجي، يضيف محادين، فيتجلى بالقوانين والعادات والتقاليد، التي إما أن تكون زاجرة أو متهاونة.
ويضيف، أن التركيز فقط على موضوع الضبط الخارجي؛ أي تغليظ العقوبات “لا يوقف مثل هذه السلوكات، خصوصا أن من المتعذر ومن خلال القوانين المبالغ في عقوباتها أحيانا، وضع رقيب على كل نفس بشرية من الجنسين لأن الغريزة تتقدم على الفضيلة للأسف”.
وأكد محادين ضرورة التوعية العملية بالمواضيع الجنسية، وبثها في كل مراحل التنشئة الاجتماعية، بداية من الأسرة، مضيفا أن من الملاحظ أن هذه المواضيع “نادرا ما يتطرق لها الأهل مع أبنائهم ويتناسون خصائص نمو النفس الذي يثير للأبناء الفضول لمعرفة وتجريب ما هو غامض”. فضلا عن ذلك، فإن المناهج الدراسية تفتقر هي الأخرى للثقافة الجنسية.الغد