مرايا – تطل علينا ذكرى استقلال المملكة الهاشمية، الأردن، قلعة العروبة، ورمز الصمود والعنفوان، لتعلن في هذا الزمن عن حالة فريدة من التماسك الذي ما نال من إحكامه تبدل الظروف والأحوال، حاملة في ثناياها دروساً ستبقى أمثلة لمن أراد أن يستقيم في حب الوطن، وراسمة من صور العطاء الممتد في مسيرة آل هاشم معانٍ خالدة في سلامة الفكر، ونقاء القيم التي اقترنت بمعاني النخوة والشجاعة الأردنية، حتى صارت رصيداً متراكما من القوة والنماء، لشجرة أصلها راسخ في الأرض وفرعها شامخ في السماء.

ويشاء الله أن تمر ذكرى الاستقلال لهذا العام بنا، والأمة في أشد اختبار، حتى إذا كادت القلوب تتبدل وتلقي ما فيها أمام شديد التحديات، ظل الأردن قابضاً على القيم والمبادئ، وظلت القيادة الهاشمية موضعاً لرجاء الأمة وصوتها النابض بالحق لندرك أن التاريخ العظيم مواقف ينير بها الرجال حالكات الليالي، فيحفظ لهم الزمان صمودهم وثباتهم أمام متغيرات الأيام، وهو ما كان لجلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني، الفارس الذي جمع تاريخ آل هاشم وحاضره، القائد القائم مدافعاً عن الحق بمهابة الملوك، وبلاغة الحكماء، الأب والأخ الذي يترجل ليشارك جنوده بضع حبات من التمر ورشفة ماء إذا ما حان وقت الغروب في رمضان .

وتمر ذكرى الاستقلال بنا من جديد… ولا يخفى على أحد ما يتحمله الأردن اليوم، من تداعيات لأزمات أحاطت بنا ولم نكن طرفاً في أي منها، وكما لا يخفى على احد مقدار ما أظهره هذا البلد بقيادته الهاشمية من عزيمة وصلابة في مواجهة هذه الأزمات، في إقليم يكاد يكون تاريخه المعاصر الأكثر تعقيداً وازدحاماً بالتحديات في هذا العالم، و لم يثنِ ذلك من عزم الأردن، أو يضعف من جهد أبنائه، ومضى الأردنيون خلف قائدهم، يدافعون عن قيمهم، ومبادئهم، يكرمون الضيف، ويساعدون المحتاج والمضطر، وينادون على الأقصى بأن القدس توأم عمان، كيف لا؟ وشهيد الأقصى كان مؤسس هذا البلد والقائم على استقلاله الملك عبد الله الأول – طيب الله ثراه – وتبعه من شهدائنا قوافل من الرجال تعرف أسماءهم حجارة القدس، وتعرف وجوههم أسوار القدس، ويحفظ تراب القدس بطولاتهم، وما زالت أضرحتهم على أرض فلسطين شاهدة على البطولة والتضحية.

ويعود يوم الاستقلال لنستذكر في خواطرنا وقلوبنا شهداء الوطن، وما نسيناهم إنما نستنهض اليوم من ذكراهم معاني وحدتنا وتماسكنا ورباطة جأشنا في وجه التحديات، ونستلهم من بطولتهم معاني البذل والعطاء، ونستحضر بكل الفخر تضحيات منتسبي قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، وتضحية كل مخلص روَّى بدمائه مسيرة حملت راية الحق والعدل، ابتدأت برصاصة من مكة، مروراً بمعان والقدس وعمان.

واليوم وفي خضم تحديات الحاضر الماثلة على المشهدين الإقليمي والدولي، وفي خضم مرحلة جديدة لا تقل صعوبة في جوانبها السياسية والاقتصادية عن ما سبقها من مراحل، يمضي جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين – حفظه الله – متقدماً الصفوف في مساعيه الشجاعة والحكيمة للدفاع عن مبادئ الأمة، وعن قيمها، وعن مقدساتها، ويمضي من خلفه الأردنيون يدفعهم انتمائهم لعروبتهم، وولائهم لقيادتهم، وتعود ذكرى الاستقلال من جديد لتقول للعالم أن الأردن ما زال على العهد والوعد، وسيكتب التاريخ حاضرنا كما كتب ماضينا، وستمضي المسيرة بقيادة آل هاشم إلى ما شاء الله لها أن تمضي، وسيكون الأردن أقوى مع إشراقة كل يوم، وسيظل الحصن المنيع، المدافع عن حقوق الأمة ومستقبل الأجيال، شامخاً أبياً، وهو ما نستمده من إيماننا بعدل الله في الأرض، وما تخبرنا به تجارب الأيام في مسيرتنا في ظل آل هاشم الكرام.

أدام الله على أردننا نعمة الأمن والاستقرار، وزاده خيراً ورفعة في ظل جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين- حفظه الله – وسدد على طريق الخير خطاه.

وكل عام والأردن أقوى.