منتدون يناقشون الأبعاد والمتغيرات لتجديد الخطاب الحزبي لدى حركات ما بعد الإسلام السياسي
الفلاحات: ضرورة قيام أحزاب برامجية حقيقية تؤمن بالتعددية والتشاركية والدولة المدنية
أبو هنية: حركات ما بعد الإسلام السياسي تنشط في ظل أنظمة ديمقراطية وبيئة سياسية مفتوحة
أبوحمور: صنع الديمقراطية يتطلب المراجعة والحوار بين القوى السياسية لتحويل التحديات إلى فرص

مرايا –  ناقش منتدون في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء الأحد 14/1/2018، الأبعاد والمتغيرات المتعلقة بموضوع تجديد الخطاب الحزبي. وشارك في هذا اللقاء الشيخ سالم الفلاحات المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين ومدير مركز دراسات الأمة، والأستاذ حسن أبو هنية الباحث والخبير في الحركات الإسلامية، وأدار اللقاء وشارك فيه د. محمد أبوحمور الأمين العام للمنتدى.

وقال د. محمد أبوحمور في كلمته التقديمية: إن التحدي الأكبر هو في ما نراه ونعيشه من هموم الصراعات والانشطار والتقسيم والشرذمة في المنطقة. وأضاف أن ذلك يتطلب عملية تفكر وتدبر ومراجعة وحوار بين القوى السياسية والاجتماعية، وخاصة الأحزاب كمؤسسات مجتمع مدني لصنع الديمقراطية، ولتحويل التحديات إلى فرص، ونقل الفرص من الرغبات والتصورات الذهنية إلى أرض الواقع، كاستجابة للمتغيرات والقدرة على الفعل والبقاء. وأشار إلى أن مستقبل الديمقراطية ينبغي أن يتسم بالمساواة والتشاركية بين الجميع، ووجود خطاب حزبي برؤية واضحة، ويعبر عن نهج مؤسسي، وبرامج صالحة للتطبيق وتتجاوب مع الصالح الوطني وقضايا المجتمع، من خلال التشبيك مع الواقع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

وقدم الشيخ سالم الفلاحات خلاصة عن خلاصة قراءاته وتجاربه في المشهد السياسي وفي مجال مراجعة الخطاب الحزبي وتجديده في العمل الإسلامي، وقال: إن العمل الحزبي بمفهومه المعاصر يجب أن تبتعد عنه جماعة كالإخوان المسلمين، وإنما يشتغل فيه الراغبون من أفرادها بطريقتهم الخاصة وضمن المجموع العام، على أن لا تتحمل مؤسسات الجماعة بصورها الجديدة أية مسؤوليات تجاههم، إلا بمقدار تعاونها وتعاملها مع أي جهة وطنية أخرى.

ودعا الشيخ الفلاحات الذين يختارون العمل الحزبي العام من المنتمين للجماعة أن يغادروا مربع الوسائل الحزبية التي كانوا يستخدمونها عندما كانوا جزءاً من تنظيماتهم السابقة، وأن ينهجوا نهجاً جديداً مستفيدين من التجربة التاريخية السابقة.

وقال الشيخ الفلاحات: لقد وصلت كما وصل غيري من الوطنيين الأردنيين إلى قناعة تامة أن العمل الحزبي العربي خلال العقود السبعة الماضية كان يقوم على نديّة فكرية وعقائدية وأيديولوجية متباينة تصارعت فيما بينها ووظِّف بعضها ضد البعض الآخر في معارك صفرية، انتهت إلى أن أيٍ منها لم يستطع أن يحقق ما وعد الشعوب العربية به بأشكالها الحزبية المتعددة. كما وصل الكثيرون إلى ضرورة توقف هذه المعارك التي لا يستفيد منها إلا أعداء الوطن والأمة.

كما دعا الشيخ الفلاحات إلى قيام أحزاب برامجية حقيقية يحترم القائمون عليها الخلفيات الفكرية والعقدية والسياسية لكل فرد فيهم، دون أن يتحكم فكر معين أو اتجاه نمطي بمسيرة العمل الحزبي، ولا سيما أن المتطلبات الاجتماعية المنشودة ينادي بها الجميع على اختلاف مناهجهم الفكرية والقواسم المشتركة الكبرى كثيرة، إذا حيدت منهجية التعصب للخلفيات الفكرية، واجترار الخلافات التاريخية وتوريثها.

وفي هذا الإطار أوضح الشيخ الفلاحات أن أبرز المبادىء العامة المطروحة للتعديل والتطوير والمراجعة، والتي يقوم عليها الحزب المنشود أن يكون تنظيماً سياسياً مدنياً برامجياً وطنياً ديمقراطي النهج وأسلوب العمل، يؤمن بحرية الفكر والتعبير وبما لا يتعارض مع ثقافة وحضارة الأمتين العربية والإسلامية، وكذلك بحرية الاختلاف بالرأي ومشروعيته وأهميته لترشيد السياسة العامة وإدارة شؤون الدولة، كما يؤمن بالتنوع والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، ونبذ احتكار الحقيقة وكل أنواع الإقصاء.

ويعتمد الأساليب والطرق السلمية والوسائل القانونية والديمقراطية والعمل الجماعي، ويؤمن بالتشاركية الوطنية الهادفة والنهج البرامجي والعمل السياسي المؤسسي وأدواته المشروعة. كما يؤمن بالدولة المدنية بمفهومها الحديث كدولة مواطنة، بمقوماتها ونهجها الديمقراطي القائم على قاعدة الشعب مصدر السلطات، وبالفصل بينها، وبتلازم السلطة مع المسؤولية، وبحكومات منبثقة عن أغلبية حزبية قادرة على بناء الدولة الحديثة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وأضاف الشيخ الفلاحات أن الحزب المنشود ينبغي أن يؤمن بالانتماء للدولة وتحقيق دورها في ترسيخ مفهوم المواطنة والمشاركة، وبسياسة خارجية تحكمها الضرورات والمصالح الوطنية الحقيقية في ضوء الروابط الأصيلة للشعب كجزء من الأمتين العربية والإسلامية. وأيضاً أن يكون معيار الموافقة أو المعارضة مدى مواءمة السياسة العامة وتحقيق المصلحة العامة، وبأن الجيش والأجهزة الأمنية ضمن الدستور الضمانة الأكيدة لحماية الوطن، وأن العلم أساس التقدم، والاقتصاد يجب أن يستند للتشاركية بين القطاعين الخاص والعام.

من جهته أشار الباحث حسن أبو هنية إلى أن أزمة الإسلام السياسي تنطوي على إشكالات مركبة ذاتية وموضوعية، ترتبط بتعريف نفسها وتبيان هويتها في سياق الدولة الوطنيّة؛ فحركات الإسلام السياسي تنتعش في إطار الأنظمة شبه السلطوية في ظل شروط وحدود لقواعد المشاركة تلتزم بعدم المغالبة، وتكتفي بأدوار هامشية، أما حركات ما بعد الإسلام السياسي فتنشط في ظل أنظمة ديمقراطية وبيئة سياسية مفتوحة، إذ يتطلب نجاح الديمقراطية توافر قناعة راسخة ونوايا صادقة من قبل حركات الإسلام السياسي من جهة، والأنظمة شبه سلطوية، بضرورة التغيّر والتحوّل، وبناء الثقة بمستقبل أفضل للجميع.

وقال أبو هنية: إن أفق “حالة” الإسلام السياسي يرتكز على موضوعة الهوية والتاريخ ومنظورات تطبيق الشريعة، أما ظاهرة ما بعد الإسلام السياسي فهي تستند إلى “مشروع” يقوم على محاولة واعية لوضع تصورات واستراتيجيات تؤسس لمنطق وتجترح طرائق تتجاوز أفق الإسلام السياسي في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية، غير معادية لبنيّة الإسلام التقليدية ولا تتماهى مع العلمانية الحداثية، بل تمثل محاولة لدمج التدين والحقوق، والإيمان والحريات، والإسلام والحرية، فهي محاولة للتأكيد على الحقوق بدلا من الواجبات، وعلى التعددية في مجال الصوت الفردي السلطوي، وعلى التاريخية بدلاً من النص، وعلى المستقبل بدلاً من الماضي، الأمر الذي أخذت به حركات خرجت من رحم الإسلام السياسي.

وأوضح أبو هنية أن الخروج من أفق الأزمة يتطلب شجاعة وإيمان من الحكومات والجماعات الإسلامية، بمغادرة الماضي باتجاه المستقبل، فصعود الجهادية العالمية، وتنافسها بين تنظيم “الدولة الإسلامية” و”قاعدة الجهاد”، يستهدف أبنية الجماعات والدول، ويهدد الاستقرار والسلم الأهلي، ويعصف بمشتركات الدولة الوطنيّة، ولا غنى عن إعادة النظر في أسس مقاربة “اشتمال الاعتدال”، و تعزيز نظريات “جدار الحماية”، والتخلي عن مقولات “الحزام الناقل”، والتقدم باتجاه تحقيق نموذج إرشادي للحكم الرشيد يتوافر على تجديد الثقة بإمكانية التغيير والإصلاح، ويتجاوز سياسات الهوية ويدخل في أفق الاعتراف، ويعمل على ترسيخ قيم سياسية تستند إلى مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والتعددية.

وقال: إن أحد المسائل الإيجابية في الحالة الأردنية أن نمط العلاقة بين الإسلام السياسي والحكومة لم يصل حد القطيعة والمواجهة، الأمر الذي ساهم في خلق فضاء عمومي من الحرية الضرورية للاجتهاد وإعادة النظر والمراجعة داخل أبنية وهياكل الإسلام السياسي، وبرزت تحولات خطاب الإسلام السياسي مؤخراً بقوة لتدخل حقبة ما بعد الإسلام السياسي.