مرايا – يعيش سكان منطقة سيل الحسا (25 كلم شمال مدينة الطفيلة)، على هامش الحياة، مفتقدين لأدنى متطلبات العيش، فلا خدمات صحية ولا مياه للشرب، ولا بنى تحتية ولا حتى منازل للعديد من الأسر التي تجد ببيوت الشعر مأوى وحيدا لها، فيما الفقر ومرض اللشمانيا يستوطنان المنطقة، وأرهقا أهلها في حالة تبدو وكأنها خارجة عن زماننا بكل المقاييس.
المنطقة التي يغلب على سكانها الحل والترحال وقلة منهم لا يكملون 15 أسرة يقطنون في مساكن الأسر العفيفة التي جاءت بمكرمة ملكية قبل عدة أعوام، يعيشون أبسط انواع الحياة التي تكاد تخلو من أي خدمات أساسية.
ويعتاش جزء من السكان على القليل من مردود زراعتهم التقليدية المحصورة بصنف واحد وهو البندورة، يبذلون جهودا كبيرة في زرعتها وبيعها على الطرقات، وهو دخل موسمي لا يفي بمتطلبات الحياة، فيما فضل الآخرون العيش على تربية المواشي، التي باتت هي الاخرى غير مجدية وتجلب لهم الخسائر المتتالية نتيجة ارتفاع كلفة تربيتها.
وأمام خيار الحصول على دخل ومحدودية فرصة العمل، يواجه سكان المنطقة اقسى انواع حياة الفقر والقلة، دون بصيص امل بالتغيير، فيما جل تفكيرهم تدبير قوت يومهم.
ولا تقف حياة سكان سيل الحسا عند حد المعاناة من الفقر وقلة الدخل، إذ يستوطن في المنطقة مرض عنيد وهو “اللشمانيا”، الذي ينغص حياتهم ويترك آثاره على اجسادهم المنهكة أصلا، لتكتمل حالة البؤس الشديد في منطقة يبدو أنها ما زالت ورقيا على خريطة المملكة.
ويتفشى مرض اللشمانيا بالمنطقة التي تتصف بأجوائها الحارة بسبب انخفاضها، يضاف إليها وجود مياه السيل التي تتدفق حتى منتصف الصيف، وتعد بيئة ملائمة لتكاثر الحشرات، ومنها نوع من البعوض يتسبب بنشر مرض اللشمانيا بين السكان.
ويعرف عن مرض اللشمانيا أنه ينجم عن تعرض الإنسان للسعات من نوع من البعوض يعتاش على نوع من الفئران يسمى بالفأر السمين، ويتغذى على نبات العضو الذي ينمو في منطقة السيل، لتشكل كلها دورة حياة متكاملة للمرض، والذي يصيب السكان نتيجة لدغات تظهر على شكل فقاعات تتحول إلى اللون الأسود، وتترك أثرا لا يزول على شكل ندوب سوداء تظل طيلة حياة الشخص.
ويعاني الأشخاص المصابون بالمرض من ارتفاع في درجات الحرارة وتقرحات في الجلد وندوب سوداء تعمر مع صاحبها، حتى في حال تلقي العلاج.
وما يزيد من قساوة العيش افتقار المنطقة لمركز صحي، حيث يضطر العديد من المرضى إلى مراجعة مراكز صحية في الكرك أو في الطفيلة بعد المسافة عن منطقتهم لأكثر من 60كم، فيما أعداد كثيرة منهم غير مشمولين بالتأمين الصحي،
وتعاني المنطقة من عدم ربطها بشبكة مياه الشرب، ليتم تزويد المساكن الخمسة عشر ومدرستي المنطقة بالمياه بواسطة صهاريج، تابعة لإدارة مياه الطفيلة بواقع مرتين أسبوعيا، يكون نصيب الأسرة الواحدة من المياه ثمانية أمتار مكعبة شهريا، لا تكفي لا بسط الاستخدامات، ليضطر السكان تعويض النقص بمياه بئر بالمنطقة تميل مياهه للون الاحمر بسبب ارتفاع معدلات مركب الحديد فيه.
وتشير أم محمد ربة منزل لأسرة مكونة من ستة أفراد، أنها تعيش في بيت من بيوت الشعر المنتشرة في المناطق المحيطة بمساكن الأسر العفيفة، إلا أنها وأسرتها يعانون من تلك البيوت المصنوعة، إما من الكتان أو الشعر، وأحيانا من البلاستيك، والتي لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف.
وتقول إن ظروف الشتاء بما فيها من هبوب للرياح العاتية تعمل على تمزيق البيوت في كثير من الأحيان ليجدوا انفسهم يواجهون برد الشتاء بلا أي مأوى.
أوضاع أسرة أم محمد قاسية، إذ أن زوجها يعمل في مزارع البندورة وبشكل موسمي، وعند انتهاء الموسم يبقى دون عمل، حيث يتحكم أصحاب مزارع في المنطقة بأجور العمال التي لا تتجاوز سبعة دنانير يوميا، ويتميز العمل بأنه متقطع وغير ثابت.
وتطالب بضرورة زيادة أعداد مساكن الأسر العفيفة في المنطقة، اذ لا يتوفر فيها سوى أربعة عشر مسكنا، فيما الأسر التي تسكن بيوت الشعر يتجاوز عددها 150 أسرة.
فاطمة علي من سكان بيوت الشعر تعاني هي الأخرى اشد انواع الحياة قسوة، تقول إن حياتهم قاسية بكل المقاييس، حيث تردي أوضاع المنطقة صحيا وتعليميا، وبيوتهم المصنوعة من الخيش أو الشعر أو شوادر الكتان لا تقي من حر الصيف ولا برد الشتاء وأمطاره، وتتعرض للتمزق في حال هبوب الرياح القوية التي تتميز بها المنطقة.
وبينت العلي أن أوضاع السكان المادية متردية، إذ يعمل الرجال في الزراعة الموسمية بقطاف محصول البندورة وهو المحصول السائد التي تهبط أسعاره في موسم نضوجه، ليباع بأسعار بخسة لا تؤمن لهم سوى القليل من المؤونة، فيما باقي الوقت من السنة عاطلون عن العمل، كما الشباب الذين كابدوا في إنهاء تعليمهم الجامعي ظلوا أيضا بلا عمل.
وتتقاضى نحو 41 أسرة من سكان المنطقة معونات وطنية، ولا يتأخر صندوق المعونة الوطنية عن صرف أي معونات حال انطباق الشروط على أي اسرة، وفق مديرة صندوق المعونة الوطنية في الطفيلة أمل الحجاج.
وعلى ما يبدو وأمام حياة تكاد تفتقد لكل شيء، يظهر الحديث عن أوضاع التعليم بالمنطقة من باب الترف، غير ان السكان ووسط قائمة الشكاوى لا يجدون بدا من ادراج واقع قطاع التعليم المتردي ضمن القائمة.
وتعاني مدارس المنطقة من تردي أوضاع بنائها، فيما التعليم يتوقف فيها عند الصف العاشر.
ويقول محمد السويلم ان المدرستين الوحيدتين بالمنطقة تعانيان من تردي اوضاع بنائهما اللذين لا يصلح معهما أي اعمال تأهيل، فيما المياه لا تصل الى بواسطة صهاريج إدارة المياه بواقع صهريج بالأسبوع بكمية لا تكفي حاجة الطلبة.
وتشير باسمة المصبحيين إلى أن مدارس المنطقة تدرس حتى الصف العاشر، وبعدها ينتقل الطلبة ذكورا وإناثا إلى مدارس أخرى أقربها تبعد 50 كم، في ظل عدم وجود خطوط نقل عام تخدم في المنطقة.
ولفتت إلى أن مدرسة الإناث تعاني من نقص في المعلمات يتم التعويض بمعلمات على حساب التعليم الإضافي، وتتغير المعلمات عدة مرات خلال الفصل الدراسي الواحد، كما حاجة مدرسة البنين إلى غرف صفية إضافية، مؤكدة تهالك البناء القديم في مدرسة الذكور والذي بني في العام 1973.
وأشارت فضة سلامة من سكان مساكن الأسر العفيفة في المنطقة إلى أن الأوضاع الصحية بشكل عام متردية، حيث يتعرض السكان في كل صيف ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى الإصابة بمرض اللشمانيا، نتيجة البيئة التي تتميز بجريان سيل وادي الحسا من المنطقة، والذي تتكاثر عليه الحشرات، خصوصا البعوض الذي يشكل سببا للمرض.
وبينت سلامة أن الفقر والبطالة يعاني منها أغلب السكان، حيث لا عمل إلا في مواسم الزراعة لأصناف محدودة من الخضار ترخص أسعارها، وتصبح غير ذات جدوى منها، مؤكدة أنه لا مشاريع للمرأة يمكن أن تعمل بها وتدر دخلا عليها.
ولفت المواطن سالم السعيديين إلى أوضاع متردية يعيشها سكان سيل الحسا، حيث تنعدم خدمات أساسية مهمة كمركز صحي والذي يشكل أهمية للسكان.
المنطقة تبدو انها ما زالت في ذاكرة الجهات المعنية، اذ يؤكد مسؤولوها وجود خطط للنهوض بواقع الحياة ضمن الإمكانات المتاحة.
فعلى مستوى قطاع التعليم، يؤكد مدير التربية والتعليم في الطفيلة جاسر الرواشدة أن أعمال صيانة مرتقبة وفي وقت قريب جدا ستتم لمدرسة البنين، اذ يتم معالجة سقوط سقف غرفتين، وخصص لها مبلغ مالي كاف إضافة إلى صيانة عامة، لافتا إلى أنه سيتم دراسة إمكانية فتح شعب للصف الأول الثانوي للذكور والإناث.
ولا يختلف حال قطاع الصحة عن التعليم، والذي هو الآخر على موعد، مع احداث نقلة نوعية بإنشاء مركز بالمنطقة وفق مدير الصحة الدكتور حمد الربيحات، الذي اكد أن المديرية ستضع على خططها للعام المقبل إنشاء مركز صحي فرعي في المنطقة، لفت إلى أن الصحة المدرسية تقوم وبشكل دوري بالكشف الصحي على طلبة المدارس، كما فريق تطعيم للأطفال يقوم بتطعيم كافة الأطفال في المنطقة ويجوب المنطقة بشكل مستمر.
وبين أن اللشمانيا هو مرض مستوطن في منطقة سيل الحسا ويظهر كل صيف مع ارتفاع درجات الحرارة، وينجم عن بعوض الرمل الذي يعيش على دم الجرذ السمين والذي يتغذى على نبات العضو الذي يكثر في المنطقة.
وبين أن جهودا كبيرة تبذلها مديرية الصحة بالتعاون مع مديرية صحة الكرك لمكافحة الحشرات ومنها البعوض الناقل للمرض.
وبين ان أعداد المصابين بالمرض في تراجع، مؤكدا أن فريقا طبيا من صحة الطفيلة يقوم بالكشف المستمر على السكان للتأكد من عدم إصابتهم بالمرض وإجراء اللازم بتحويلهم إلى المستشفى في الطفيلة في حال الإصابة، وتقديم كافة العلاجات اللازمة.
وفيما تطمئن تصريحات مديري الصحة والتعليم وتبشر بإمكانية تحسين واقع المنطقة صحيا وتعليميا، تفتقد مديرية المياه لأي حلول لمشكلة نقص المياه، متعذرة بصعوبة مد شبكة مياه للمنطقة، مبررة ذلك بأن اقرب منطقة فيها خدمة الشبكة هي منطقة أبو بنا، فيما مد شبكة منها لسيل الحسا يضعف الضخ، اضافة الى امكانية الاعتداء على الشبكة من قبل المزارع التي ستخترقها انابيب الشبكة، وفق مديرها المهندس مصطفى زنون صعوبة.
وبين زنون أنه يمكن إيجاد محطة تنقية لمياه سد التنور التي يمكن أن تكون الحل الوحيد لتزويد سكان المنطقة بالمياه، فيما تقوم المديرية ومن خلال صهاريج تابعة لها بتزويد السكان بكميات كافية من مياه الشرب بواقع أربعة صهاريج أسبوعيا. الغد