سأموت الآن قبل أن أقول لكِ: أحبك.

حمزة التلاوي
كانت من أكثر اللحظات هيبةً وخشوعاً، عندما ربطوا عنقي بحبلِ مجدّل وخشن، أعترف أن خشونته كانت تزعج رقبتي، كان ظل الشجرة الباسقة التي كنت مربوطاً عليها يواسي وحدتي ويشعرني بقداسة الموقف، وبانتظار إطلاق الرصاصات الثلاث وقفتُ متأملاً ومصغياً لصوت الهدوء الخاشع. ما أعظم صوت الطبيعة!

– قل كلمتك الأخيرة. قالوا: فالتفتُّ بعينيّ نحو الشّمال محدقاً في الأفق، تذّكرتك عندما سمعتُ صوتكِ أوّل مرة والتفتُّ نحوكِ التفاتة عاشق ونظرة قديس.

تباً، سأموت الآن قبل أن أقول لكِ: أحبك.

هل تذكرينَ عندما ربتِّ على كتفي لحظة حزني على الشهداء؟ وقلتِ بصوتكِ المهيب: هوّن على قلبك لأن الشهداء الآن يبتسمون. هل تكره أن تكون شهيداً؟ قلت لكِ بصوت مجروح: أحبهم كثيراً، وأحب ما ماتوا عليه من أجل الكرامة والشرف. آه لو تدرين أني سأموت الآن بعد لحظات متتالية، وأكون قد مت مثلما كنتِ دائما تهمسين لي بأني سأموت واقفاً كالأشجار التي تموت واقفة وشامخة. لو تعلمين أنك الآن قد صرتِ قدّيسة.

أشحتُ بنظري عن الشمال، فرأيت قاتلي مستعداً تماماً كي يطلق رصاصته الأخيرة. سيكون حريصاً أن تخترق رصاصته رأسي كي أموت بشكل رائع ولذيذ. إن نشوة الخصم أو العدو هي أن تموت أمامه؛ فموتك بمثابة سقوط. هو يعتقد ذلك. لكن رباطة جأشي وجبهتي العالية تمسك رغبته وتشعره بضعفه المحتم. سيضغط على زناده أخيراً وأنتقل أو أعبر أو أرحل إلى عالمٍ أبيض يطير فيه المرء بدلاً من المشي والتجذيف.

الميادين