مرايا –

سونر جاغابتاي* – (الواشنطن بوست) 11/5/2023

يمكن لمبادرات الغرب المتعلقة بالتجارة والدفاع أن تعزز النتيجة المؤيدة للديمقراطية وأن تتصدى لتدخل فلاديمير بوتين.

يمكن لسقوط الرئيس الشعبوي رجب طيب أردوغان، في حال حدوثه في الانتخابات التركية الحالية التي تخضع لمراقبة دقيقة وتشهد تنافساً متقارباً، أن يعيد تركيا بقوة إلى المسار الديمقراطي. إلا أن التوجه الجيوسياسي الفعلي لتركيا يبقى في عالم التخمينات، وهذا يوفر للشركاء الغربيين فرصة للمساعدة على توجيه تركيا ما بعد أردوغان، في حال تحقق ذلك، في الاتجاه الصحيح.
وهم يملكون الأدوات للقيام بذلك. فقد وعد زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، كمال كليجدار أوغلو، بإعادة بسط سيادة القانون في يومه الأول في سدة الرئاسة. ولهذه الغاية، تعهد تحالفه الكبير الذي يضم ستة أحزاب بالإفراج عن المسجونين ظلماً في عهد “حزب العدالة والتنمية” بزعامة أردوغان، وبرفع القيود المفروضة على الحريات الأساسية. كما وعد أيضاً بإعادة استقلالية المؤسسات التي تعرضت لضغوط من حكومة أردوغان، بما في ذلك القضاء. ونظراً لالتزام إدارة بايدن بدعم الديمقراطيات ضد الاستبداد، ستكون كل هذه التغييرات موضع ترحيب حار من دون شك.
لكن الحسابات الجيوسياسية ما تزال غير واضحة. فقد عمد أردوغان، على مدى العقد الماضي، إلى إبعاد تركيا شيئاً فشيئاً عن الولايات المتحدة وأوروبا، وأقام علاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحديداً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في العام 2016، والتقى الزعيمان مرات كثيرة واتفقا على صفقات تقاسم السلطة في سورية وليبيا وجنوب القوقاز. وعلى الرغم من أن تركيا قدمت طائرات من دون طيار ومعدات عسكرية أخرى لأوكرانيا، إلا أن أردوغان رفض المشاركة في العقوبات الأميركية على روسيا، مما منح الأخيرة فرصة كبيرة للوصول إلى الأسواق العالمية.
أما كليجدار أوغلو فهو ليس صديقاً لروسيا. فقد صرح، خلال مقابلة حديثة مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، بأن أنقرة ستمتثل للقرارات الغربية بشأن العقوبات. كما تعهد بتقريب تركيا من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وأيضاً بالموافقة على انضمام السويد -الذي علقه أردوغان- إلى حلف شمال الأطلسي قبل انعقاد قمة الحلف المقررة في تموز (يوليو).
إلا أن الروابط الاقتصادية القوية بين تركيا وروسيا يمكن أن تشكل عائقاً أمام التوصل إلى توافق تام مع الغرب، الأمر الذي أشار إليه كليجدار أوغلو في المقابلة مع “وول ستريت جورنال” عندما تحدث عن مدى صعوبة تحقيق هذا التوازن. وقال إنه سيحاول الحفاظ على الاستثمارات التركية في روسيا، بينما يدعم سياسة العقوبات الشاملة على روسيا. ولذلك يبدو من الواضح أن واقع الأعمال سيحد من قدرته على المناورة.
من المؤكد أن احتمالات التقارب بين الولايات المتحدة وتركيا تزعج بوتين الذي سيرغب في عرقلة وصول كليجدار أوغلو إلى الرئاسة، لكن من المتوقع أن يتجنب بوتين المواجهة المباشرة مع تركيا. فمن المنظور التاريخي، سيتحالف الأتراك مع الغرب إذا هددتهم روسيا.
وفي المقابل، من المرجح أن يلجأ بوتين إلى سلاحه التجاري لاستهداف الاقتصاد التركي. فقد يحظر بوتين الزيارات السياحية إلى تركيا (ربما مستشهداً بـ”مخاوف أمنية”) ومن الممكن أن يسعى إلى الحد من الواردات الزراعية، كما يمكن أن يطالب أيضاً بالتسديد الفوري لفواتير الطاقة المتأخرة والمستحقة على أنقرة ويفرض تطبيق زيادة أسعار على صادرات الغاز الطبيعي إلى تركيا. وستكلف هذه الخطوات الوضع الاقتصادي الهش في تركيا عشرات المليارات من الدولارات، وربما تُسبب أزمة في سوق صرف العملات.
يجب أن يكون هذا كله على رأس أولويات كليجدار أوغلو. فهو يعلم أنها ليست هناك أي حكومة ائتلافية أنهت ولايتها الكاملة منذ ظهور أول إدارة قادها ائتلاف في البلاد في ستينيات القرن الماضي. ومن شأن الانهيار الاقتصادي، المترافق مع المشاحنات الائتلافية، أن يضعف إدارته ويبطل فعاليتها في نظر الناخبين. ولذلك قد تؤدي هذه التطورات إلى العودة السياسية لأردوغان كما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكن، بإمكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المساعدة على جعل انتقال تركيا إلى الديمقراطية نهائياً.
منذ إبرام اتفاقية الاتحاد الجمركي في العام 1995، التي لا تغطي سوى السلع الصناعية، تشكل الروابط الاقتصادية ركيزة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وتجدر الإشارة إلى أن كليجدار أوغلو يريد تعميق الاتحاد ليشمل أيضاً الخدمات، ولذلك يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يشير مع انطلاق رئاسة كليجدار أوغلو إلى رغبته في القيام بذلك.
بإمكان واشنطن أيضاً أن تؤدي دوراً رئيسياً في هذه المسألة، وذلك من خلال إعادة العمل بالروابط الدفاعية التي تشكل أساس العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إحدى المسائل الشائكة في العلاقة تتمحور حول قرار أردوغان شراء نظام الدفاع الصاروخي “إس- 400” من روسيا، ونتيجة لذلك طردت الولايات المتحدة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة “إف- 35” في العام 2019، ثم فرضت عقوبات على قطاعها الدفاعي في العام التالي.
يجب على إدارة بايدن أن تعمل بجد لإيجاد مخرج من هذا المأزق. فإذا التزم كليجدار أوغلو بعدم تفعيل صواريخ “إس- 400″، ووافق في النهاية على وضعها تحت حراسة مشتركة مع حلف شمال الأطلسي، يتعين حينذاك على واشنطن الموافقة على طلب أنقرة شراء طائرات مقاتلة من طراز “إف-16″ و”إف- 35”.
ولن يمحو هذا النوع من المبادرات جميع الخلافات بين تركيا وشركائها. على سبيل المثال، من المؤكد أن دعم الولايات المتحدة لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية في سورية سيبقى حجر عثرة في طريق العلاقة.
لكن من شأن الخطوتين إذا اتخذتا معاً، أن تبعثا برسالة قوية إلى الأسواق. ويولي المستثمرون العالميون اهتماماً وثيقاً بالتوجهات الجيوسياسية لتركيا، بسبب قلقهم بشأن ما يعنيه الانجراف إلى مدار روسيا على العائدات على المدى الطويل. ولكن، إذا تبين أن تركيا عادت بقوة إلى الجناح عبر الأطلسي، فقد يؤدي ذلك إلى تدفقات نقدية كبيرة -أي تدفقات داخلية يمكن أن تساعد على تعويض أي خسائر فادحة قد يلحقها بوتين.
وعلى الرغم من أن رئاسة كليجدار أوغلو، في حال فاز بها، تكتنفها الشكوك إذا اختار مواطنو تركيا الديمقراطية بدلاً من الاستبداد، فيجب على الولايات المتحدة وأوروبا دعم هذا الخيار. وسيكون تحويل تركيا لكي تكون أكثر ديمقراطية أمرا سهل التحقيق ويصب في فائدة الجميع.
*سونر جاغابتاي: زميل “باير فاميلي” البارز، ومدير “برنامج الأبحاث التركية” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.