مرايا – محمد الكيالي

لطالما كانت قرارات أو تعاميم حظر النشر مثيرة للجدل بين من يتمسك بمبرراته، وبين من يعتبره قيدا على حرية الرأي والتعبير وحق الناس بالمعرفة. غير أن حدود حظر النشر التي تتسع أحيانا لتشمل حتى “المعلومات ذات الصلة بالموضوع ” محل حظر النشر، تدفع للتساؤل حول من يقرر هذه الحدود والمساحات أو المراحل المشمولة بالحظر.
قوانين عديدة كقانون العقوبات وقانون المطبوعات والنشر تحكم عملية حظر النشر، وتحدد مراحله وخصوصا في مرحلة التحقيق، غير أن هذه القوانين لا تحدد ما الذي يمنع من النشر وفي أي مرحلة، علما أن مراحل أي قضية لا تقتصر على مرحلة التحقيق فقط. لكن هذه القوانين تسهب في شرح الأسباب والقضايا التي يحظر النشر فيها.
فعلى سبيل المثال، تنص المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر، على أن حظر النشر يشمل كل ما يحمل من تحقير أو قدح أو ذم في إحدى الديانات المكفولة حريتها بالدستور، أو الاساءة إليها، وما يشتمل على التعرض أو الإساءة لأرباب الشرائع من الأنبياء بالكتابة، أو بالرسم، أو بالصورة، أو بالرمز أو بأي وسيلة اخرى”، إضافة إلى كل “ما يسيء لكرامة الأفراد وحرياتهم الشخصية”.
وتمنع المادة 225 من قانون العقوبات، نشر وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية، وجلسات المحاكمات السرية، ومحاكمات دعوى النسب، وكل محاكمة تمنع المحكمة نشرها، حيث خضعت هذه المادة لتعديل أخير واستبدلت عقوبة الغرامة بالحبس.
بدورها، تؤكد المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر على حظر نشر محاضر التحقيق المتعلقة بأي قضية قبل احالتها الى المحكمة المختصة إلا إذا اجازت النيابة العامة ذلك، كما يمنع، بحسب القانون، النشر للمطبوعة الصحفية بمحاضر جلسات المحاكم وتغطيتها ما لم تقرر المحكمة غير ذلك حفاظاً على حقوق الفرد او الاسرة أو النظام العام والآداب العامة.
غير أن بعض تعاميم حظر النشر تتسع لتشمل “كل ما يتعلق بموضوع” القضية، وبالمقارنة بين هذه النصوص القانونية وبعض التعاميم، يظل السؤال من يملك حق التوسع بالحظر؟
في هذا الصدد، يقول مدير هيئة الإعلام، المحامي طارق أبو الراغب، في تصريح إلى “الغد” إن من حق المدعي العام أو النائب العام “التوسع بمنع النشر بجميع الأوجه”.
وأضاف أن مراحل التحقيق الأولي، يمنع نشرها أيضا بدون قرار في الأصل، مبينا أن مرحلة “حظر النشر” تبدأ من إحالة القضية للمحكمة أي بعد قرار الظن.
ولفت أبو الراغب لـ”الغد”، إلى أن هذا الأمر ينطبق في مختلف القضايا، إلا أن القضايا التي تثير الرأي العام، يتم الإعلان عن منع النشر فيها بشكل مبكر.
وبين أن منع النشر هو منع كامل بكل التفاصيل والمجريات وفي كل الظروف، مشددا على أنه حتى كتاب “حظر النشر” الموقع من قبل القاضي يمنع نشره كما هو، إلا أنه يسمح نشر صيغته فقط لإعلام الجهات الصحفية والإعلامية بالقرار.
كما بين أن حظر النشر ملزم للصحافة المطبوعة عبر قانون المطبوعات والنشر، مشيرا إلى أن قرار حظر النشر جاء بقرار قضائي لا يد ولا صلة للحكومة فيه، لا من بعيد أو قريب.
وشدد على أن هيئة الإعلام دورها هو الإعلان للجهات الصحفية والإعلامية ذات العلاقة بالقرار لكي لا تقع هذه المؤسسات بالمحظور.
وأوضح أن نشر عنوان القضية لو تم إصدار حظر نشر فيها، لا يضر، وإنما نشر حيثياتها هو الأمر الخاطئ لأن القضية تكون قيد التحقيق.
وأشار إلى أنه لا يحق للناشر الالتفاف على حظر النشر بأي وسيلة، مبينا عدم وجود أي طريقة التفافية للتجاوز على قرار حظر النشر.
وفي هذا الصدد، أكد مصدر قانوني مطلع، لـ”الغد”، أن أي قضية إذا كانت منظورة أمام المحاكم وصدر فيها منع للنشر، فإن على الجميع الالتزام بهذا القرار، خاصة إذا كانت قضية حساسة وتخالف قانون الجرائم الإلكترونية.
وشدد المصدر، على أن النائب العام يملك الأسباب الموجبة لمنع النشر في قضايا محددة وفق القانون، مبينا أن حظر النشر جاء لاحترام خصوصية محاضر التحقيق.
وكان مدير عام هيئة الإعلام الأسبق، المحامي محمد قطيشات، أكد في وقت سابق، أن قرارات حظر النشر في القضايا العامة من اختصاص النيابة العامة، لأن القضايا التي يمنع نشرها تكون قيد التحقيق ولا يسمح النشر حولها حسبما ورد في القوانين المتصلة ولا علاقة لهيئة الاعلام والحكومة بذلك.
نقيب المحامين السابق، مازن رشيدات، أكد أن من حق المدعي العام، لدى وضع يده على القضية، إذا رأى أن هناك تأثيرات خارجية مادية أو معنوية على مسار القضية أن “يمنع النشر في أي قضية يعمل عليها”.
وأشار رشيدات في تصريحات سابقة لـ”الغد”، إلى أن المدعي العام، هو إنسان بالنهاية، وأنه “إن وجد نفسه تحت تأثيرات وضغوطات على سير التحقيق، من الممكن أن تحيده عن الحقيقة، فله الحق أن يمنع النشر حول القضايا التي يعمل عليها”.