مرايا – كتب: ماهر ابو طير – لم تكن تصريحات وزير الداخلية غريبة، لكنها كانت محددة اكثر، وهي تطابقت مع إلماحات الحكومة في وقت سابق، حول ما قد يجري خلال الفترة المقبلة لاعتبارات متعددة ومختلفة.
يخرج وزير الداخلية ويقول خلال لقاء مع مستثمرين إن الحكومة ستتعاطى مع الملف الاقتصادي بمسؤولية وليس شعبية بعد الآثار الاقتصادية الصعبة التي خلقتها كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وأن هناك على الأقل 4 رفعات على أسعار الوقود خلال الأشهر المقبلة، وأن الحكومة لن تستطيع الاستمرار بسياسة تثبيت أسعار المحروقات وأن قدرة المواطن على تحمل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية حاليا أكثر من قدرته على تحمل عدم رفعها مستقبلا.
كلام الوزير هنا حساس جدا، خصوصا، اشارته الى ان قدرة المواطن على تحمل ارتفاع اسعار المشتقات النفطية في الوقت الحالي، اكثر من قدرته على تحمل عدم رفعها مستقبلا!.
والإلماح هنا، محمل بمعان مختلفة، لكن لا احد يعرف معنى كلام الوزير الباطني، حصرا، في هذه الفقرة، التي تعني بشكل عام اننا امام احد كلفتين، اما الكلفة الحالية، او كلف اكبر قد تتأتى بسبب تداعيات معينة قد تحدث، مما يجعل الرفع هنا اقل ضررا وفقا لكلام الوزير، والذي لم يحدد فيه ماذا يقصد بالضبط بكلامه حول عدم القدرة على تحمل عدم الرفع مستقبلا.
في كل الاحوال لا احد مع رفع الاسعار، لكن كلام وزير الداخلية يتطابق مع كلام الحكومة السابق، الذي اشارت فيه الى امرين، اولهما انها تحملت مبلغا ماليا بسبب تثبيت سعر الوقود، وثانيهما انها مضطرة لرفع السعر مجددا، على دفعات، بسبب ارتفاع السعر العالمي، وبسبب التغيرات في الاقتصاد الدولي والاقليمي، وما تحتاجه الخزينة من ضرائب ورسوم وغير ذلك.
ما يمكن قوله هنا ان الحكومات ذاتها تدرك ان رفع الاسعار غير محتمل شعبيا، وبرغم ذلك يخرج الوزير ليقول ان الشعبية غير مهمة، بمعنى ان ما يواجهه الأردن اكبر بكثير من قصة البحث عن شعبية، واذا كنا جميعا نتضرر من رفع الاسعار، الا ان الدعوة للبحث عن حلول ما تزال قائمة، خصوصا، ان هناك تغيرات كبرى في اسعار كل شيء في الاسواق، من المواد الغذائية الى الادوية وصولا الى الوقود، وما هو مقبل وآت، وهي حالة سلبية لكنها ليست أردنية اليوم، بل تعد حالة عالمية تؤكدها كل التقارير التي تشير الى موجة غلاء تضرب العالم على مستوى السلع، والوقود، بسبب الحرب الروسية الاوكرانية، وكلف جائحة كورونا، وغير ذلك من ظروف.
لا يبرر احد رفع الاسعار، لكن التوقيت مختلف، وقد كنا دوما نحمل السياسات المحلية المسؤولية عما يجري على الصعيد الاقتصادي، لكننا في هذا التوقيت امام سياسات دولية تترك اثرا على كل شعوب العالم، فتتداخل القصة لدينا ما بين اخطاء الحكومات السابقة، وما يمكن اعتباره كلفة تأتينا وتأتي غيرنا عبر الحدود، وكل انسان فينا لديه ابناء او اقارب او اصدقاء يعيشون في الخارج، يعرفون ان التغيرات باتت حادة على صعيد الاسعار، ولا تستثني احدا.
ربما اللوم بأثر رجعي اليوم، لا يحل المشكلة، لانها خرجت الى حد ما من يد سيطرة الدول، واذا استمرت الحرب الروسية الاوكرانية بهذه الطريقة من تهديد موارد مهمة مثل القمح والوقود والغاز، وبما يتعلق بمشاكل سلاسل التوريد والامداد والشحن في العالم، فسنكون امام خريطة جديدة بالمعنى الدولي، وليس المحلي فقط، ولا نمنح هنا عذرا مخففا لأي حكومة اردنية تحت غطاء وجود ظروف دولية، ونطالب مجددا، بالبحث عن حلول للتخفيف عن الناس، امام الوضع القائم، والاوضاع التي قد تأتي على الطريق، في ظل ظروفنا الصعبة بشكل عام، وفي ظل المديونية والعجز ووضع الموازنة في الاردن، الذي يؤشر باعتراف الرسميين على وضع حساس.

الغد