مرايا – قال الوزير الاسبق رئيس ديوان التشريع والرأي السابق نوفان العجارمة، إن ما ورد في امر الدفاع رقم (٢٨) هو مقدمة كاشفة عن نية الحكومة برفع الحماية الجزائية عن الشيك بشكل او بأخر، وفق تقديره.

 

وأكد العجارمة في منشور له عبر فيسبوك، أن هذا التوجه محمود ويستند الى أسس عملية ومنطقية يمكن اجمالها كالتالي:

 

اولاً: تناول المشَرع الأردني في قانون التجارة الشيك كورقة تجارية حيث بين ماهيتها وطبيعتها واعتبرها أداة وفاء تصرف بمجرد الإطلاع عليها أو تقديمها وهي تقوم مقام النقد في التعمل ، ويتمثل الفارق الوحيد بينها وبين النقد بأن المشرَع اشترط الإذعان للقبول بالتعامل النقدي في حين ترك أمر التعامل بالشيك لإرادة المتعاملين دون اي إلزام بهذا الشان.

 

ثانيًا: يلعب الشيك دورا مهما في التعامل التجاري ويعتبر وسيلة أداء فعالة متى توافرت المؤونة النقدية ، ولعل هذا ما جعل التجريم في مادة الشيك يرتبط أساساً بحالة عدم توافر أو عدم كفاية المؤونة، حيث كان الهدف تعزيز الثقة في التعامل بهذه الورقة التجارية، غير أن تمديد التجريم والعقاب إلى المجال الصرفي لم يكن يوماً محل إجماع لدى مشرعي العالم إذ ابقت بعض الدول ومنها (فرنسا وبريطانيا وكندا واستراليا والإمارات وبعض دول الإتحاد الأوروبي) الشيك ضمن مجاله الصرفي فقط بعيداً عن التجريم والملاحقة الجزائية مستندين إلى مجموعة من المبررات والحجج نذكر منها ما يلي:

 

1- أن التجريم لم ينجح يوماً في الحد من ظاهرة اقتراف جرائم الشيك بدون رصيد، أو على الأقل إبقائها ضمن رقم محدد يمكن التصدي له بالعقاب، ويظهر ذلك جلياً من خلال إحصائيات البنك المركزي الأردني والتي يعلن بين الفينة والأخرى عن حجم الشيكات المرتجعة لعدم توافر المؤونة والتي تزيد على المليار دينار سنوياً، وكذلك يظهر يوضوح من كثرة القضايا المنظورة سنوياً أمام المحاكم.

 

2- يرى أرباب المهن أن إلغاء التجريم برفع نسبة التعامل البنكي نتيجة تشجيع الناس على التعامل بالشيك وعدم التخوف من المتابعات الجزائية، وأن الكمبيالة تفوق مبالغها في العادة المبالغ المضمنة بالشيكات دون أن تكون مؤيدة بجزاء جنائي ومع ذلك لا زالت تؤدي دورها وما زالت تحظى بثقة التجار، إضافة إلى أن هناك عدة آاليات وطرق لحماية حقوق المستفيد لا سيما عبر الدعوى الصرفية والتي تحظى وفقاً لقانون أصول المحاكمات المدنية بصفة الإستعجال.

 

3- كثرة القضايا المنظورة أمام المحاكم بخصوص جرائم الشيك، والتي تسببت بإرباك للعمل القضائي حيث تدخل المشرع الأردني في أكثر من مرة خلال عقد من الزمن لإجراء تعديلات على جرائم الشيكات حيث نزع التجريم عن الشيكات غير الصادرة عن البنوك ( الشيك المكتبي ) وأعادها مرة أخرى ليعود من جديد ويلغيها ومرد ذلك النتائج العملية التي يستشعرها المشرع والتي تدور بين تحقيق النتيجة من عدمها والتخفيف قدر الإمكان من الكم الهائل لعدد الشكاوى المسجلة بهذا الخصوص، وقد أجرى المشرَع كذلك تعديلات على الاختصاص القضائي في الجرائم المتعلقة بجرائم الشيك بدون رصيد .

 

4- إن تردد غير التجار في التعامل بالشيك رغم قدرتهم على تحقيق شرط المؤونة نتيجة الخوف من تداول الشيك وتقديمه للوفاء في وقت تكون فيها المؤونة غير متوافرة أو غير كافية، يجعل خيار إلغاء التجريم من الخيارات التي لا يمكن إهمالها.

 

5- أدى التطبيق العملي إلى إضعاف الثقة بالشيك وذلك بسبب طول أمد التقاضي حيث يوفر المُشرَع وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية ضمانات للمشتكى عليه فيما يتعلق بحق الدفاع، وعدم قدرة المُشرَع تجاوز هذه الضمانات مما ولد سخطاً لدى المتقاضين من إطالة أمد التقاضي.

 

6- انحراف وظيفة الشيك عن الغاية التي أراد المُشرَع تحقيقها بحيث أصبحت هذه الورقة التجارية أداة إئتمان في العمل التجاري والمدني وذلك من خلال التطبيق العملي للمتعاملين بهذه الورقة، ودليل على ذلك وجود ما يسمى بالشيكات برسم التحصيل في كافة البنوك دون استثناء !!

 

7- فشل التعديل التشريعي باعتماد النماذج الصادرة من البنوك المرخصة لغايات التجريم في الحد من تفشي هذه الجريمة.

 

8- إن كثرة القضايا المفصولة في جرائم الشيك بدون رصيد نتج عنها أعداد كبيرة من المحكوم عليهم وفقا لنص المادة (421) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 مما شكل ضغطاً على مراكز الإصلاح والتأهيل وما نتج عنه من تكاليف على خزينة الدولة وإشغال جهاز الأمن العام بالإجراءات المتعلقة بإلقاء القبض والإيداع في مراكز الإصلاح والتأهيل.

 

9- أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد هي من أكثر الجرائم الواقعة على الأموال انتشاراً وتفشياً وهذا ينتج عنه أضرار إجتماعية تنعكس بشكل واضح على حياة الأسر بسبب إيداع رب الأسرة المعيل في مراكز الإصلاح والتأهيل حيث لم يقم المُشرَع تفريقاً من ناحية العقوبه وفقاً لقيمة الشيك، فالعقوبة واحد بقطع النظر عن قيمة الشيك !؟؟؟

 

10- نتج عن تجريم إعطاء شيك بدون رصييد آثار سلبية متعلقة بموظفي القطاع العام ( بشقه المدني و العسكري ) الذين يقومون بإصدار شيكات لا يقابلها رصيد لغايات استجرار أجهزة كهربائية وهواتف وأثاث وأقساط مدرسية وقروض لشراء المركبات ….الخ حيث يترتب في حالة الإدانة الطرد او العزل من الخدمة كون العقوبة اكثر من ٦ اشهر !!

 

11- صعوبة ايجاد حلول قانونية لمعالجة القصد الجرمي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد بسبب أن الوقائع المتعلقة بهذا الجرم هي وقائع غير متناهية وأن وضع نصوص ناظمة لها سيؤدي إلى الإضطراب والإرباك بالعمل القضائي وسيؤدي إلى إفلات الكثير من المشتكى عليهم من توقيع العقوبة.

 

١٢- أدت الحماية الجزائية إلى اطمئنان المتعاملين بالشيك مما أدى إلى خلق سيولة وهمية من خلال سحب شيكات مؤجلة الدفع حيث أنشأت البنوك العاملة في المملكة أقساماً تدعى “الشيكات قيد التحصيل”، أي أن الشيكات، من خلال التطبيق العملي، حوَلت هذه الورقة إلى أداة ائتمان بشكل واضح.

 

١٣- ألحقت الحماية الجزائية للشيك ضرراً بالغاً بالعمل التجاري من خلال إفلاس الكثير من التجار بسبب تعاملهم بالشيكات وإغفالهم التحقق من ملاءة الساحب وعدم اتخاذهم الطرق الوقائية لعدم وقوعهم ضحيتها، وتحوَل هؤلاء الضحايا أيضا إلى مشتكى عليهم والحكم عليهم بجرم إصدار شيك بدون رصيد بالرغم من عدم توفر القصد الجرمي لاقتراف هذه الجرائم.

 

١٤- أوصت اللجنة الملكية لتطوير القضاء في عام 2017 برفع الحماية الجزائية عن الشيك بدون رصيد خلال (3) سنوات حيث بدأ في عام 2017 بتخفيض عقوبة الحبس من سنتين إلى سنة ورفع الحماية الجزائية كلياً عن الشيك المكتبي، وضرورة تقديم الشيك في التاريخ المحدد للصرف

 

ثالثاً: ولمعالجة المشكلات التي ظهرت بشكل واضح من تجريم إصدار شيك بدون رصيد، فان الامر يتطلب تعديل المادة (421) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 من خلال رفع الحماية كلياً عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد وذلك بالغاء تلك المادة من قانون العقوبات.