مرايا – رأى محللون سياسيون، أن اجتماع “الحوار الوطني” بمشاركة الفصائل الفلسطينية، في القاهرة، قد نجح في تمهيد الطريق لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية، لكنه رحّل الملفات الشائكة، ولم يحسمها.

وأعرب المحللون  ، عن قلقهم من نشوب “نزاعات”، وخاصة بين حركتي التحرير الوطني “فتح”، والمقاومة الإسلامية “حماس”، بسبب الملفات المُرحّلة، وخلو البيان الختامي، من الإجابات على العديد من الأسئلة، وهو ما قد يؤثر على سير عملية الانتخابات.

وتتعلق القضايا الشائكة التي لم تُحسم خلال الحوار، بآثار الانقسام السياسي، بين حركتي “فتح” و”حماس”، المستمر منذ عام 2007.

ومن هذه القضايا، الجهاز الحكومي (ويشمل الأجهزة الأمنية) في قطاع غزة، الذي تُشرف عليه حركة حماس، ولا تعترف به الحكومة الفلسطينية.

كما لا تعترف حركة حماس، بشرعية “المحكمة الدستورية” التي شكلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسبق لها أن حلّت المجلس التشريعي السابق، الذي كانت الحركة تهيمن على غالبية مقاعده.

والثلاثاء، أصدرت الفصائل بيانها الختامي لحوارها المنعقد في القاهرة، تضمن الاتفاق على بنود، أبرزها تشكيل “محكمة قضايا الانتخابات” بالتوافق بين قضاة القدس، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وأن يصدر الرئيس عباس مرسوما بتشكيل المحكمة.

وحسب مرسوم رئاسي سابق، من المقرر أن تُجرى الانتخابات الفلسطينية، على 3 مراحل خلال العام الجاري: تشريعية في 22 مايو/أيار، ورئاسية في 31 يوليو/تموز، وانتخابات المجلس الوطني (خارج فلسطين) في 31 أغسطس/آب.

وعُقدت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي (البرلمان) مطلع العام 2006، وأسفرت عن فوز “حماس” بالأغلبية، فيما سبقها بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها الرئيس الحالي محمود عباس.

ويقول الكاتب السياسي، هاني العقاد، من غزة، إن الأمر الإيجابي الأبرز في بيان الختامي للفصائل “هو أنه جاء باتفاق أغلب الفصائل الفلسطينية”.

لكن أضاف مستدركا “الاختبار الحقيقي لمدى صدقه وجديته واختلافه عما سبقه من بيانات ووثائق، هو التطبيق الفعلي والعملي له على الأرض”.

ويشير إلى أنه كان واضحاً “تركيز البيان الختامي، على بعض الأُطر التي يمكن أن تُشيع مناخا إيجابيا، من أجل العمل بحرية على الأرض خلال مرحلة الانتخابات، لكنّ جدية ذلك تتعلق بالتطبيق أيضاً حيث أن الفصائل فشلت فيه مرات عديدة سابقاً”.

ويضيف “الوثيقة قالت إنه يجب إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، لكن حتى اللحظة لم نسمع أي خبر بهذا الخصوص، وهذا يعطي انطباعاً مبدئيا غير جيد”.

ويُبدى العقاد قلقه كذلك، من موضوع “أمن الانتخابات”، حيث أشارت الوثيقة إلى أن جهازي الشرطة في الضفة الغربية وقطاع غزة هم من سيتولون مهمة تطبيقه.

ويضيف في هذا الصدد “الأجهزة الأمنية سواء في غزة أو الضفة تنقصها القيادة الموحدة، وتعمل وفق أيدولوجيات مختلفة، وتحت قيادات تخدم أهداف سياسية، وهذا الأمر يعزز فكرة التشكيك بقدرتها على تأمين الانتخابات”.

ويلفت العقاد خلال حديثه إلى أن “الوثيقة خلت من بنود تتعلق بوجود ضمانات حقيقية سواء داخلية أو خارجية، لتحقيق عقد الانتخابات بشكل جدي، وهذا يجعلنا أيضاً أمام مُعضلة جديدة، تتلخص بوجود قدرة لدى طرفي الانقسام، تمكنهم من التملص من الاتفاق، وقلب الطاولة”.

كما يشير إلى أن الفصائل لم تقدم أيضاً، “ضمانات تتعلق باحترامها لنتائج الانتخابات، وما بعدها في حال تم إنجازها كاملةً، وهذا نقصٌ يحسب على الوثيقة كذلك، لأن النزاع بين الفصائل لم يكن قبل الانتخابات (الأخيرة عام 2006)، بل جاء بعدها”.

ويرى العقاد أن الوثيقة “كي تكون رصينة، كان يجب أن تتضمن اتفاقاً على كل شيء يتعلق بالانتخابات وما بعدها، وليس أن تقتصر على ما هو متاح الآن”.

من جهته، يرى المحلل السياسي شرحبيل الغريب، من غزة، أن الوثيقة الصادرة عن لقاء الفصائل، ركزت على “إنجاح مسار الانتخابات وتناولت الخطوات الإجرائية لعقد الانتخابات”.

ويقول إن “اتفاق الفصائل على تشكيل محكمة الانتخابات وموضوع الأمن وتجاوزها لبعض القضايا الخلافية، يعتبر إنجازاً ومقدمة جيدة لعقد الانتخابات على أرضية سياسية مناسبة”.

وفيما يتعلق بمعالجة الوثيقة لموضوع المحكمة الدستورية التي شكّلها الرئيس عباس، قال الغريب “يبدو أن الفصائل تجاوزت أمرها، حينما قالت في الوثيقة، إنها حيّدت جميع الجهات القضائية التي يمكن أن تعطل مسار الانتخابات”.

ويشير الغريب إلى أن الوثيقة “رحّلت الأزمات التي نتجت عن الانقسام الفلسطيني والتي تتعلق بالموظفين الحكوميين والأجهزة الأمنية، وغيرها من القضايا، وهذا يجعل الطريق محفوفة بالمخاطر نوعاً ما”.

ويرى أن احتكام تلك القضايا لحسن النوايا “مسألة غير مطمئنة، على الرغم من وجود رغبة لدى جميع الفصائل بالذهاب للانتخابات واعتمادها كطريق لحل مشكلة الانقسام”.

ومتفقا مع سابقيه، يرى الدكتور أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية في جنين، أن الفصائل رحّلت العديد من الملفات الشائكة، ولم تناقش كافة القضايا الخلافية، “خوفا من الفشل”.

وأضاف “لم أتفاجأ بالمُخرجات، قد تكون الفصائل قد ناقشت القضايا الهامة والمحورية، لكن أعتقد أن المحتوى الإعلامي والعلاقات العامة والمحتوى البروتوكولي غلب على النقاشات الجدية والواقعية، لمعالجة الكثير من القضايا أهمها تداعيات وآثار الانقسام”.

واستبعد يوسف، أن تكون الفصائل قد ناقشت “ضمانات عدم العودة للانقسام مرة أخرى، خاصة أن مدة اللقاءات لم تكن كافية”.

ويضيف ” خيارات حركتي حماس وفتح محدودة، وكليهما في وضع صعب، وبالتالي ما يدفعهم للانتخابات هو عدم وجود بديل”.

ولفت إلى أن المطلوب لتنفيذ ما اتفق عليه، هو “النوايا الجيدة” من قبل حماس وفتح، واستفزاز قواعد الحركتين للمشاركة بالانتخابات، وتذليل أي صعوبات”.

وعن أبرز العقبات التي يمكن أن تعرقل الاتفاق، أشار أستاذ العلوم السياسية، إلى “وجود تيارات داخل حركتي حماس وفتح، وربما من تيارات فلسطينية أخرى، تعارض إجراء الانتخابات”.

وتابع “العقبة الأخرى هي الاحتلال، فالكيان  ممكن أن تتهور وتقوم باستفزازات إما في الضفة الغربية أو غزة وتجر الفلسطينيين للمواجهة، خاصة وأن إسرائيل مقبلة على انتخابات، وعادة ما تستغل الدم الفلسطيني للترويج لانتخاباتها”.

كما لم يستبعد يوسف إعاقة الولايات المتحدة الأمريكية للانتخابات، في حال طالبت حركة حماس بالاعتراف بلاحتلال ، وتفكيك قواعدها العسكرية في غزة.

بدوره، يرى الدكتور إياد أبو زنيط، الباحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية (غير حكومية) بالضفة الغربية، أنه، وبرغم التفاؤل حيال مخرجات اللقاء، إلا أن “المخاوف تبقى قائمة من الانزلاق في مرحلة من مراحل تنفيذ الانتخابات”.

ويرى أن الأمر الأهم، هو “قبول المجتمع الدولي، بنتائج الانتخابات والاستعداد للتعامل مع التركيبة السياسية التي ستخرج عنها”.

وكانت الدول الغربية، قد رفضت التعامل مع الحكومة التي شكلتها حركة حماس، عقب فوزرها بالانتخابات عام 2006.

وطالب أبو زنيط بضرورة تعزيز الثقة بين الجماهير الفلسطينية من جهة، والأحزاب والنخب من جهة ثانية، حيث قال إن “مرور 15 عاما على حالة الانقسام أوجد فجوة بين الشارع الفلسطيني والنخب، وهو ما قد يرفع من نسبة العزوف عن المشاركة أو معاقبة القوائم المترشحة بالورقة البيضاء”.

وحذّر من إمكانية تدخل الكيان  في العملية الانتخابية، عبر “حملات الاعتقال التي قد تطال ناشطين، أو الاجراءات التي تستهدف سكان القدس المحتلة”.