تحذيرات تربوية وأسرية يطلقها مختصون حول خطورة متابعة وإدمان بعض مواقع التواصل الاجتماعي، التي تغير مجرى أهدافها من تعارف وتبادل خبرات وصداقات، إلى منصات لبث كل ما هو جاذب للجمهور بغض النظر عن طبيعة المحتوى، ما زاد من وطأة “الجانب السلبي من السلاح ذي الحدين لتلك المواقع”.

مؤخراً، ووفق إحصاءات عالمية تم نشرها، تبين أن عدد حسابات الأردنيين من مستخدمي الهواتف الذكية على تطبيق “تيك توك” يقدر بأكثر من 4.4 مليون حساب؛ حيث تثبت الأرقام أن تواجد المتابعين الأردنيين على هذا الموقع “المثير للجدل” واسع الانتشار قد يلخص طبيعة المحتوى الذي يتابعه المشتركون، وهي المرة الأولى التي يصل فيها العدد إلى هذا الحد بوقت قياسي، لأحد مواقع التواصل المعروفة، بحسب يومية الغد.

وبحسب المشاهدات، فإن الكثير من العائلات باتت تخشى متابعة أبنائها لـ”تيك توك”، الذي يختلف في كثير من محتواه عن باقي المواقع، لما فيه من مدى حرية أكبر في البث، ووجود سمات خاصة فيه، كون أي شخص يحصل على متابعات أكثر خلال البث المباشر أو بحسب حجم مشاهداته يمكنه تحصيل مبالغ مالية متفاوتة، ما حول “تيك تيك” إلى ساحة صراع وخيارات متاحة لمن يستطيع بث ما يجذب المشاهدين، حتى وإن تجاوزت خطوط الأعراف والتقاليد أو “الأخلاق”، بحسب أهالٍ.

وعلى الرغم من محاولتها عدم مشاهدة أبنائها هذا الموقع، إلا أن والدة الطفل سيف البالغ من العمر 11 عاماً تفاجأت بوجود حسابات عدة لابنها على “تيك توك”، منها ما هو عام، وآخر خاص، ويقوم من خلالها ببث العديد من المقاطع الخاصة به، وما فاجأها أكثر أن هناك بعض المقاطع التي حظيت بآلاف المشاهدات.

ابنها الذي شعر بالخوف والخجل من والدته في البداية، إلا أنه بدأ بـ”تجميل الفكرة لها وأنها مقاطع عادية وفكاهية ولا تتضمن مقاطع خاصة بالعائلة أو ما يثير الجدل فيها”، إلا أنها قامت بحذف الحسابات والموقع بشكل كامل، لتجد أنه بعد فترة من الوقت قام بإنشاء حساب آخر، ما جعلها تتيقن أن “ابنها بات مدمناً على موقع تيك توك تحديداً”.

لذلك، يلجأ الكثير من الخبراء والمختصين إلى تنبيه الأهالي لضرورة متابعة الأبناء لما يشاهدونه من مقاطع عبر “تيك توك”، إضافة إلى متابعة أنفسهم لما يشاهدونه برفقة أبنائهم، بحيث أصبح من المعتاد لدى الأبناء على مختلف الأعمار أن يتبادلوا المقاطع مع ذويهم، دون مساءلة أو مراقبة ومحاسبة منهم، بل هناك عائلات تتعمد لنشر مقاطع مشتركة للعائلة بأكملها، وقد تلامس الخصوصية بشكل واضح.

وكان تقرير شركة “Hootsuite” المتعلق بـ”حالة الإنترنت حول العالم”، قد أشار إلى أن هناك حسابات متعددة قد تكون لشخص واحد يمكن إنشاؤها على هاتفه الذكي، ما خلق رقما قياسيا وكبيرا في عدد الحسابات الأردنية على هذا الموقع، يقدر بما نسبته 39.3 % من عدد سكان الأردن.

الاختصاصي والخبير المدرب التربوي عايش النوايسة، يؤكد أنه لطالما حذر في العديد من المقالات الصحفية والمحاضرات التربوية من خطورة التواجد لساعات طويلة على التطبيقات المختلفة على الهواتف الذكية، وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي التي تقتص من حياة الشخص دون إحساس منه، وأن كثيرا من الكبار واليافعين والأطفال هم من مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، التي منها “تيك توك” نظراً لميزاته التقنية وسهولة متابعته وعدم الحاجة إلى إظهار أي معلومات شخصية للمتابعين فيه.

كل ما يشاهده الفرد عبر تلك المواقع يتأثر به بشكل مباشر أو غير مباشر، كما يقول النوايسة، لذا من الأهمية بمكان أن يكون هناك رقابة ذاتية أولا من الشخص البالغ العاقل، ورقابة من الأهل على الأبناء ومنعهم من كل ما قد يوصلهم لمرحلة الإدمان؛ إذ تبين أن موقع “تيك توك” من أكثر المواقع التي تستقطب الأشخاص من مختلف دول العالم ومن كل الأعمار.

وبحسب النوايسة، فإن كل ما يدمن عليه الإنسان من مشاهدات يومية ومتكررة ولساعات طويلة يتحول إلى سلوكات في حياته، وتؤثر على علاقاته بالآخرين، وخياراته وأحياناً توجهاته وأخلاقياته في التفاعل مع المجتمع، بل وينعكس كذلك على أسرته التي قد تجد حياتها محتوى للأبناء.

وقد يرى الخبراء الذين تناولوا البحث حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي كما في “تيك توك”، أن فترة انتشار جائحة كورونا وما رافقها من حظر ومنع حركة، والتعلم عن بعد، كان لها دور كبير في الاعتماد على التواصل الاجتماعي بشكل كبير بين الأفراد، كما يرى النوايسة، حتى أن الطالب بات مجبراً على إنشاء حساب له على أحد تلك المواقع بهدف التواصل مع المعلمين أو مدرسي الجامعة.

هذا الأمر قد يكون سبباً في ترك الأهل لأبنائهم لساعات طويلة أمام تلك الشاشات التي تستقطب الإنسان وتجذب اهتمامه بأبسط التفاصيل، وبأقصر المقاطع المصورة، كونها تلامس مختلف جوانب الحياة، كل شخص لديه اهتمام قد يجد ضالته المسلية والترفيهية عبر تلك المواقع، ومن أشهرها “تيك توك”، الذي يتميز بالسهولة والبساطة والمحتوى المتنوع، الذي قد لا يخضع لأي نوع من الرقابة.

وكما هو متعارف في عالم “التواصل الاجتماعي”، فإن تطبيق “تيك توك” الذي تم إطلاقه في العام 2018، يعد من أكثر التطبيقات التي انتشرت في فترة قياسية حول العالم، وبات ملجأ الكثيرين للتسلية فقط، وليس للتعارف، بيد أن هذا “السهل الممتنع” جعل منه فخاً يوقع الباحثين عن السرعة في العرض والطلب على المقاطع المصورة، عدا عن “جني المال السريع الخاضع للمحتوى الذي يجب المشاهد”، والذي يراه كثيرون أنه بجزء كبير منه “محتوى فارغ”.

وكان النوايسة كذلك، قد بين، في حديث له عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، أنها تخضع جميعها لما يسمى بـ”نظرية التعلم الاجتماعي”، التي تعتمد على أن الإنسان يتعلم سلوكات جديدة، وهذا ما يحدث بالفعل لمن يشهدون سلوكات مختلفة على “تيك توك”، وبشكل سريع وسهل و”مجاني”.

ومن جهته، يرى اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، أن معظم القائمين على هذا التطبيق هم من فئة الشباب، ذكورا وإناثا، لهذا السبب يستقبله جمهور كبير جدا من المتابعين في المجتمع الأردني كما في باقي الدول.

الموضوع الآخر، وفق الخزاعي، أن محتويات هذا التطبيق سريعة في العرض، بمعنى أنه لا يتطلب من المتابع وقتا طويلا في المتابعة، سواء بجوانب المرح والتسليه وتركيب المقاطع والصور والتشويق.

لذلك، فإن الانسان الذي يحاول أن يوصل رسالة يعمل على جذب أعداد كبيرة، خصوصا الجمهور الذي يفضل مثل هذه التطبيقات، والقضية المهمة الأخرى أن هذا التطبيق تحديدا يتحدث بلغة المجتمع من دون تصنع وتكلف وتهتم بقضايا المجتمع.

كما تحدث الخزاعي عن وجود العديد من السلبيات لهذا التطبيق، باستخدامات الصور والألفاظ الخادشة، لكن الأولى أن يكون هناك توعية للشباب حتى لا يكون هناك نوع من الإدمان أو بث مقاطع مسيئة يتم تبادلها مع الآخرين.